أوجدنا هذا المتحف عربون وفاء وتقدير للدكتور عصام حداد الذي أهدى الأدب المهجري جائزة أدبية تحمل اسم: شربل بعيني

كتاب مفتوح من د. عصام حدّاد الى الرئيس ميشال سليمان منقذ الوطن



تحية ممزوجة بوافر من الحب والثقة والتقدير والاحترام

العالم اليوم يتطلع اليك في هذه المعتزمات الكِبار ، اعانك الله في ما تصبو اليه من انقاذ واصلاح وبناء ... وشدَّد الله كلَّ ساع معك من مسؤول وشعب وصديق ...
لبنانُ الشهيد الأبديّ ، يعاني اليوم من قوّة المال . اذ سُرِّحَ كلُّ أجنبيّ على هواه وصرِّح له بالتملّك . ونسي المسؤولون أو تناسوا منذ سنة 1962 ان لا فرق بين أرض تُفقد بقوّة المال وأرض تُفقد بقوّة السلاح .
فالسلاح ظاهر له قرقعة ، وأمّا المال فهو سَكوت خفيّ ذو حدّين أمضى وأقتل .
وها إنَّ الهجمة على التملّك تتعاظم ، والمأجورون التبعيّون المشبوهون الذين سكتوا عن أفظع جرائم التاريخ يوالون سكوتهم عن الهول والخراب . لأنَّ الأنانيّة هوّرتهم الى بيع الكيان ببيع هذه الترابات المجبولة بالعرق ، بالدم ، بالدموع ، التي اشتراها الشهداء والأنبياء والأولياء بأغلى ثمن ونبيعها اليوم بأبخس ثمن .
إنَّ لبنان ، الذي فيه للشهداء ، تحت كلِّ شبر قبر ، سيصبح بنوه في ديارهم لاجئين بظلِّ هذا القانون الإستنسابيّ المطلق ، فيخسرون كلَّ مقوِّمات الحياة وميِّزات التراث وعبقريّة الوجود .
والغرابات المفجعة ، أنَّ هذا القانون يجيز لبعضهم تملّق مساحات غير مميّز بين شخص طبيعيّ او معنويّ . يسنُّ هذا شرائع على هواه ويهرّب ذاك شرائع على مداه ، بعدما نزع هذا وذاك هويّة من يريد وجنّس من يريد سالخاً غرسات من الجذور ومطعِّماً في شجرٍ برّيّ له غير سائل وغير طعم وغير رواء .
ويبقى لأفلاذنا أن نُدفِّعهم الى البحر كلَّ يوم ليجذفوا على بركة التقادير الى بلادٍ قاتلة الكرامات ، الى التسوّل على أبواب الأمم ، الى القهر والعوز والذوبان والضياع .
أوَ يعلم هؤلاء بأن سلامة لبنان بسلامة أراضيه ومصير بنيه ؟! وإنَّ إباحتهم منذ البعيد والقريب بيع أراضيه للغرباء أسوأ خطوة وأخطر قرار ؟!
أوَ يعلمون أنَّ تجاهلهم مقرّرات دول الأرض وأخصّها الجامعة العربيّة ، تصدُّ تسرُّب أيّة أرض الى الغير ؟! وأنَّ جناياتهم هذه تثير الشكوك بمن أولى بهم الحرص على الدستور والكيان ؟!
أوَ لا يعلم هؤلاء الغيارى بأنّه آن لنا أن نتأدّب بصهيونيّة اسرائيل التي لا تبيع شبراً بل تغزو مساحات وتحتلُّ دولاً وتبلع الكون ؟!
إنَّ هؤلاء ينساقون باتجاهات متنافرة هدّامي دعائم وجود لبنان الذي نحن مشرّشون بمقابر الشهداء فيه ، وهم يساومون عليه ويسايرون ، ولا يبقى لنا حتّى المساميك المبضوعة من شرايين الأنبياء والصخور ، المطحونة بعيون الأولياء ، والباسقات المحبوكة بالعروق ، بالرموش ، بالضلوع !
الا يدرك هؤلاء بأن لا وطن بلا أرض ولا أرض بلا شعب ولا شعب بلا كيان ولا كيان بلا سيادة ولا سيادة بلا اتّحاد ولا اتّحاد بلا تفاهم ولا حبّ بلا ثقة وايمان ورجاء؟!
هل فاتهم انّ الملكيّة الثابتة لا تُهدر وهي ملتصقة بالكيان ، وانَّ بيعها خطر
على القوميّة ؟!
وأنَّ كلَّ هذه الوسائل الإستغلاليّة خداع ، سنَّها واقعنا وتعابث القوانين التي لم تُراعِ ضآلة لبنان ووضعه الدوليّ الإنسانيّ ؟!
إنَّ المعضلة في النفوس لا في النصوص ، لا بهذا القانون المستهتر الفاجع المرير بل في من يتقاضون البدل ولا يقاضيهم العدل ، تكمُّ عيونَهم المغرياتُ ويسدّون آذانهم
عن الفحيح ، فلا يرون ضآلة مساحة لبنان ، ولا يسمعون قضقضة عظام الجدود ، ولا يدرون أنَّ الأرض للوطن كالروح للجسم .
وما حالة جثّة هامدة يأكلها النتن وتعودُ الى الهباء ؟!
حجّة هؤلاء هي الغُنم الإقتصاديّ ازاء هذا الإستهتار والتردّي والعبث ، كما كانت حجّة " نيرون " و " بروتوس " و " يوضاس " ، غير دارين أنَّ الذوبان قريب وأنّنا نخلّي لبنان لأحفادنا خيمة في عراء .
هؤلاء السلاّخون المبدعون في الجرائم ، يتناسونَ ان لا دولة تبيع أرضاً لغريب الاّ عند الحاجة النادرة والمعاملة بالمثل ولشركة معظم اعضائها من الوطن .
دولٌ تسرّحُ الأغراب كلّما تعاظم عدد الساكنين فيها . ونحن خلال عام واحد بعنا 7 آلاف أجنبيّ . إنّ الدول الحضاريّة تُؤمّم الممتلكات خشية الطغيان كما حدث هنا وهناك علماً بأنّ مساحة لبنان هي مساحة حيٍّ من تلك الدول . لكنَّ الفرق بيننا وبينها انّها تحرص على الكيان ونحن نبيع الكيان حتّى " مرقد العنز " . ولأنّ فسيفساء المذاهب ، وان حسنت بعض الشيء ، فإنَّها مضرة في المشارب والإلتزامات والحضارات .
تبقى القلّة الصامتة التي تستشفُّ مكامن الداء ، ولكنّها مقصّرة لا يتعدّى تعبيرها التنديد ، اذ لا يُحسب لسخطها حساب ولا يُردّ على صراخها جواب ...
قلّة تنكفىء مكبوتة متململة تراقب التنانين العابثة بالشريعة المؤتمرة على الأجيال الآتية المكسّرة الأحلام والطموح والإيمان والرجاء .
هذه القلّة هي تدري بأنّ المال السائل العابر يفقد الثروة ، وأنَّ التراث الباقي هو الأرض . وما هذه الفقاقيع الاّ ازدهار يصبُّ في عب الأغيار .
أوَ ليس الأجدر ان يُحظَّر حتّى بيع طائفة لطائفة ومن قضاء لقضاء خشية الفرز ؟ وان نصدَّ الهجرة ويُمحى الغُرم ببيع الغير ، بكسب الغُنم ببيع المغترب فنربح الإثنين الإنسان والكيان ؟!
ولو انَّ كلَّ مغترب من الأحَد عشر مليوناً دفع دولاراً واحداً ، لبنينا على ارضنا مدينة للمغتربين ووفرنا لهم اقله اشهر الإصطياف .
هل سيأتي يوم ، لا سمح الله ، نكتب على قبور اجدادنا لوحات وشواهد " لبنان برسم البيع " وحينئذٍ تغضب علينا السماء لأنّها حُرمت وطناً لربّها وينتفض الجدود من قبورهم ليقفوا معنا لتقبّل العزاء .

الدكتور عصام حدّاد