أوجدنا هذا المتحف عربون وفاء وتقدير للدكتور عصام حداد الذي أهدى الأدب المهجري جائزة أدبية تحمل اسم: شربل بعيني

مناجم وأهراء الدكتور عصام حداد

شربل بعيني
مناجم وأهراء.. كتاب أدبي للدكتور عصام حدّاد، صدر عن داره، ويقع بمئة وأربع وأربعين صفحة من الحجم الوسط.. زيّنه برسومه الفنّان اللبناني رفيق الهاشم. وقبل أن تقرأ الكتاب، أنصحك بالإستنجاد بمحيط المحيط، لأن مفردات الدكتور حدّاد معلّقة بالأعالي كالنجوم، لا يقطفها إلاّ من اعتلى بساط الريح، أو امتطى صهوة جواد عربيّ أصيل، فهي تتسامى كلغته الشعريّة، وتتعالى في أجواء كوثريّة خاصّة، لا يصلها إلاّ القلائل. وكأنه يريد أن يثبت للأدب أنه جدير بحمل اسم عمّه يوسف الحدّاد، معلّم فيلسوفنا العالمي جبران خليل جبران، ذاك الذي منّ علينا، قبل الرحيل، بثروة فكرية خالدة، وبتلميذ نجيب أوصلنا إلى الدنيا، وبنسيب تتفاخر به الأنساب.
مناجم الكتاب كثيرة، فيها الحِكَم، الشعر، السجع، الخيال، وفيها المفردات الشامخة.. وقد يتشاوف مقالي هذا على الكتاب بطوله، لو ذكرت كل شيء في (مناجم وأهراء)، فرحمة بكم وبي دعوني أنتقي منه ما قلّ ودلّ، حتى أطلعكم ولو بشكل سريع على بعض ما جادت به قريحة يوسف الحداد الثاني، الاسم الأصلي للدكتور عصام .
حكم الكتاب:
تمر الحكم في الكتاب مرور الحسناء أمام مجموعة من الرجال، فتوقفهم عن أعمالهم وتنسيهم تعبهم. هكذا أيضاً تستوقفنا حكم (الحدّاد)، بينما نحن ننهل من معين أدبه :
ـ المرء يهوى خلع جلده ليتمنطق بسواه، شغفاً بالتغيير وتنكراً عن الدهر .المجاملة، همزة وصل بين قلب وروح. تغضي على الكثير وتمحو الكثير .ـ الويل ثـم الويل لست البيت من التشهير .ـ الليل حمّال الصبابات وبوق الهمسات .ـ منجلك أثقل على ظهري من الحمل .ـ حلو الموت بالضّيعة .وأعتقد أن الأخيرة، أحب الحكم على قلب عصام، لأنهاالأشد ارتباطاً بتراب الوطن .
شعر الكتاب:
كلّ عبارة في الكتاب تحمل أكثر من صورة شعرية، وقد لا أغالي إذا قلت: إن دواوين شعريّة كثيرة صدرت، لا يمكنها أن تجاريه، إن كان باللغة أو بالشعرً، وإليكم بعض الصور:
تسامت عن الأرض،وتقاصرت عن السّماء .فتلاقت ببنيها بين الأرض والسماء . على ناتىءٍ اسطوانيّ أسطوريٍّ سنيٍّ .
لنتوقف هنا ونتنعّم بالموسيقى (الحدّادية) الصاخبة التي فجّرها حرف (السّين)، وجعلنا نتساءل لماذا اختار هذا الحرف الحلزوني لافتتاح كتابه: تسامت، السماء، اسطواني، أسطوري، سنيّ .
ومن الصخب إلى الرواء مع حرف (الراء) في هذه اللقطة الرائعة :على خواصر وهاد ثلاثدائمة الرهبة والرّواء والرّنين .حرف (الراء) هنا، يلغي موسيقى (السين) الصاخبة وينقلك مع بيتهوفن إلى (الرّهبة والرواء والرنين).وكما قلت سابقاً، سأكتفي بالقليل، كي لا أحرمكم من نعمة قراءة الكتاب، والإرتواء من سلسبيل صوره الشعرية الرائعة.. وما أكثرها .
سجع الكتاب:
السجع في (مناجم وأهراء) مرشوش على صفحات الكتاب كرمل البحار الموشّى بالتبر، وإليكم الدليل :ـ نشوة الإنشراح وحلاوة الإرتياح .ـ زغردة غدير وتكبيرة عبير .ـ وخز حسكة ونبوة شوكة .ـ لحفيف السّنبلة بالسّنبلة نغمات مهدّلة .وكأن لا عمل للدكتور حداد سوى الإنصات إلى زغردات الينابيع وحفيف السنابل بالسنابل، والكتابة عنها، وتصوير آهاتها وزغرداتها ونغماتها المهدلة، وهو الذي يدير معهد الأبجدية في مدينة الأبجدية الأولى جبيل.
خيال الكتاب :
خيال الدكتور عصام حدّاد في الكتاب ناتىء كالقرنة السوداء، ومضيء كقلب صاحبه. فجميع مقالاته غارقة بالخيال حتى آذانها. فلنقرأ معاً هذه العبارات المضيئة :ـ ذات ليلة موهنة، مولولة، موصولة الأرق، كأنما شدّت بها عيناي إلى النيّرات .ومن غير ابن القرية اللبنانية الجبلية العالية بإمكانه أن يشدّ عينيه إلى النيّرات .ـ العجين اللجينيّ، ينسفح بين الأصابع أقلام مرجان، فتحيله كيمياء أصابع الحسناوات إلى ذهب .وأنت أيضاً يا صديقي عصام، كأصابع الحسناء، قد أحلت الكلمات إلى ذهب، ورحت تتفنّن بسبكها .
مفردات الكتاب :
اللغة العالية بحاجة لمفردات عالية، وإلاّ هبطت من أعاليها واستحالت حطاماً. ورغم أن النقّاد لا يرحّبون بالفردات الصّعبة، إلاّ أن الدكتور عصام حدّاد عرف كيف يدخلها في عباراته بتأنٍ بالغ، حتّى لا يجفل القارىء منها، وحتّى تتمكّن العبارة الحاضنة لها من إبراز معناها :
ـ بجاد النّساك : ومعناه: الثوب المخطّط، وجمعه: بُجُدْ .
ـ العرانين : من كل شيء أولّه. ويقولون (عرانين السحاب) أي أوائل مطره. مفردها: عرنين .
ـ مفازة : الفسحة بين جبلين، حسب اعتقادي بعد قراءة النص، والصحراء الواسعة التي لا ماء فيها، حسب اعتقاد جبران مسعود. وما على الدكتور عصام إلاّ أن يفصل بيننا .
بقي أن أذكر أن الدكتور حدّاد لـم يترك طيراً من طيورنا اللبنانية إلاّ وطيّره في كتابه. فمن البلابل والشّحارير والحساسين إلى الشّكّب والوطاويط والحمام، مروراً بالبجعة الآيبة إلى فراخها، وبالبومة في لوزاتنا، وانتهاءً بأنثى الحجل وبدجاجاتنا الطّامعة بطرد الشياطين .
اللهمّ نجّنا ونجِّ صديقنا عصام من شياطين الوطن. وألف تحيّة له.

الحدادون الأربعة...

شربل بعيني
عندما تتكلّم عن الدكتور عصام حدّاد وأخويه سامي وسمير واخته الوحيدة سلوى، يعرف الجميع أنك تتكلّم عن الكرم اللبناني الأصيل النادر، المعتّق في إحدى خوابي عين كفاع الغارقة في القدم..
****
ومجنون من يفكّر بأن هناك من يضاهيهم بحبّهم، بإخلاصهم، باندفاعهم وبعطائهم اللامحدود.. إنهم أفضل أربع نحلات في قفير وطننا لبنان.
سعادتهم تكمن في سعادتك، وراحتهم لا تكتمل إلا إذا اكتملت راحتك.. إنهم يسيرون عكس التيّار المادي الكاسح الماسح0، يفركون أنفه وأذنيه ويضحكون.. وإنك لتتعجّب من جرأتهم وتلقائيتهم.. وحماسهم للبنان.
****
يحبّون النكتة، ويتفنون بإلقائها وبفبركتها، وبالاستمتاع بها.. وإليكم بعضها:
طلب أحدهم من الدكتور عصام حداد أن يساعده بالتفتيش عن شقة تقع على شفير أحد الوديان.. فأخذه الدكتور إلى منطقة (مستيتا)، حيث الوادي الأخضر المضمخ بلؤلؤ نهر الفيدار، فأعجب بالمنظر كثيراً.. ولكنه اكتشف ان المنطقة لا تصلها مياه الشفة، فغيّر رأيه وطلب من عصام أن يأخذه إلى وادٍ آخر.. فما كان من عصام إلاّ أن التفت إليه وقال:
ـ ضروري تحطّ مصرياتك ع الوادي.. ما لبنان كلّو وديان.. وين ما بدّك وقاف وتفرّج ببلاش.
****
ومن النكات التي يخبرها الحدادون لأصدقائهم واحدة حصلت في سيدني يوم زارنا الدكتور عصام لاستلام جائزة جبران العالمية، وفي حفل توزيع الجائزة قال رئيس رابطة إحياء التراث العربي الاستاذ كامل المر: إني أرحّب بكم فرداً فرداً.. فما كان من صديقه الشاعر شربل بعيني إلا أن قال:
ـ شو يا إستاذ كامل.. الظاهر ما شفت إنّو في نسوان بالحفلة حتى تقول: إني أرحب بكم فرداً فرداً..
ـ وشو بدك ياني قول؟!
ـ لازم تقول: إني أرحب بكم فرداً وفردةً.
فضحك الاستاذ كامل المر، وحمل الدكتور عصام حداد النكتة إلى الأثير اللبناني لتصبح نكتة الموسم.
****
ومنذ عدة أسابيع كنّا في ضيافة الدكتور عصام حداد، فأولـم على شرفنا وليمة حضرها رئيس تحرير مجلة (الامن) اللواء الشاعر محمد ياسر الايوبي. ومن جملة المأكولات التي أعدتّها الغالية سلوى حداد (حبشة) محشية بالأرز، تبدّل على تقطيعها جميع المدعوّين نظراً لحجمها الكبير.
وفجأة دخل أحد اصدقاء عصام وطلب التحدّث معه، فما كان من الدكتور إلا أن دعاه لتناول الطعام معنا.. ولمّا لـم يقبل وهمّ بالانصراف، لحقه الدكتور عصام وصوته يسبقه: سلملي ع بيك.. سلّملي ع إمك..سلملي ع جدك.. ع ستك.. ع عمك.. أللـه معك.
وعندما رجع إلى الطاولة قلت له بصوت عالٍ:
ـ شو باك يا عصام.. هيئتك صرت بخيل كتير!!
ـ ليش شو عملت؟
ـ بدل ما تحمّل صديقك كل هالسلامات لأمو ولبيّو.. كان الافضل تحمّلو فخدين من هالحبشة تا يتعشّوا عليهن.
****
لقاء الدكتور عصام حداد صعب، ووداعه أصعب.. والويل ثـم الويل لمن يتعرّف على كامل العائلة (الحدادية): عصام وسمير وسامي وسلوى.. فلسوف يسرقون قلبه وعقله.. ودمعته.. ويتركونه ضائعاً.. حائراً، لا يطيب له عيش إلا بالقرب منهم.
****

كنيسة مار سمعان العمودي

شربل بعيني
جبيل ـ بيبلوس، المدينة الأولى المميّزة في الكون، على اسمها سميت التوراة (بايبل )، وتحت ترابها المقدّس دفنت الآثار، وشرّش التاريخ.. وعلى مقربة من معهد أبجديتها ـ الفرع الجديد، تقوم كنيسة أثرية صغيرة، أطلقوا عليها اسم (كنيسة مار سمعان العمودي) نسبة للعمود الضخم القائم في وسطها، والآخذ ربع مساحتها.. وصدّقوني أن لا أحد يدري لماذا وضع هذا العمود الضخم بالداخل، ألِدعم بناء الكنيسة، أم لتزيينها به، أم تيمناً باسم شفيعها (العمودي)؟!
شكل الكنيسة يدل على أن للمهندسين الرومان أصابع في بنائها.. وخاصة وجود العمود الروماني في داخلها.. ولكن مدخلها ونمط قناطرها الشرقية يدلان على أنها بنيت بأيدي مهندسين لبنانيين، وقد جيء بالعمود من قلعة جبيل لدعم البناء ليس إلاّ.
لصوص الآثار دخلوا إليها، زعزعوا بنيانها، بعد أن حفروا حول عمودها حفرة عميقة بغية التفتيش عن الذهب والآثار، ولكنهم لـم يجدوا شيئاً، بل تركوا لنا وساخة ما فعلوا، وتشويهاً ظاهراً في حيطان الكنيسة الأثرية.
طلاّب معهد الأبجدية يولون الكنيسة اهتمامهم، ويمنحونها حبّهم وإيمانهم.. فلقد شجّروا ساحتها الصخرية، ونظفوها من الأوساخ، ولسان حالهم يردد: الجار للجار.. ومار سمعان العمودي جارنا، ونحن أحقّ به.
الأستاذ سامي حداد زرع أيضاً بيوت نحلاته في أرض الكنيسة الواسعة، حرصاً منه على البيئة، التي بدأت تندثر في لبنان.. فالنحل والعصافير والفراشات والأشجار من أهم مقومات البيئة النظيفة.. وهذا ما يعمل له طلاب وأساتذة معهد الأبجدية في جبيل بإشراف ورعاية مديره الدكتور عصام حداد.
شيء واحد أضحكنا جداً، وهو كتاب إعرف لبنان لصاحبه عفيف مرهج.. فعندما تصفّحناه لنعرف شيئاً عن الكنيسة، فوجدناه لـم يأت على ذكرها بتاتاً.. بل ذكر كنيسة مار يعقوب التي تحتوي عموداً في داخلها..

وقال: ( ومن المحتمل ان بعض كنائس جبيل راقية الى زمن ملوك الروم كمار يعقوب وفيها عمود يظن انه كان صومعة لبعض النسّاك).. ومن يدري فقد تكون كنيسة مار يعقوب هي كنيسة مار سمعان نفسها.. وقد لخبط (المرهج) في الأسماء والكنائس.. لنترك (إعرف لبنان) جانباً ولنأخذ بمعلومات الاستاذ سامي حداد فهي الأصح.

إضحك.. ببلاش

شربل بعيني
عندما تتكلّم عن الدكتور عصام حدّاد، صاحب ومدير معهد الأبجدية في مدينة جبيل اللبنانية، يعرف الجميع أنك تتكلّم عن الكرم اللبناني الأصيل النادر، المعتّق في إحدى خوابي عين كفاع الغارقة في القدم..
ومجنون من يفكّر أن هناك من يضاهيه بحبّه، بإخلاصه، باندفاعه وبعطائه اللامحدود.. إنه أفضل نحلة في قفير وطننا لبنان.
سعادته تكمن في سعادتك، وراحته لا تكتمل إلا إذا اكتملت راحتك.. إنه يسير عكس التيّار المادي الكاسح الماسح، يفرك أنفه وأذنيه ويضحك.. وإنك لتتعجّب من جرأته وتلقائيته.. وحماسه للبنان.
يحبّ النكتة، ويتفنن بإلقائها وبفبركتها، وبالاستمتاع بها.. وإليكم بعضها:
طلب أحدهم من الدكتور عصام حداد أن يساعده بالتفتيش عن شقة تقع على شفير أحد الوديان.. فأخذه الدكتور إلى بلدة (مستيتا) قضاء جبيل، حيث الوادي الأخضر المضمخ بلؤلؤ نهر الفيدار، فأعجب بالمنظر كثيراً.. ولكنه اكتشف ان المنطقة لا تصلها مياه الشفة، فغيّر رأيه وطلب من عصام أن يأخذه إلى وادٍ آخر، فما كان منه إلاّ أن التفت إليه وقال:
ـ ضروري تحطّ مصرياتك ع الوادي، ما لبنان كلّو وديان، وين ما بدّك وقاف وتفرّج ببلاش.
ومن النكات التي يخبرها عصام لأصدقائه واحدة حصلت في سيدني يوم زارنا لاستلام جائزة جبران العالمية، وفي حفل توزيع الجائزة قال رئيس رابطة إحياء التراث العربي الاستاذ كامل المر: إني أرحّب بكم فرداً فرداً.. فما كان مني، وكنت سكرتير الرابطة، إلا أن قلت:
ـ شو يا إستاذ كامل.. الظاهر ما شفت إنّو في نسوان بالحفلة حتى تقول: إني أرحب بكم فرداً فرداً..
فأجابني والدهشة بادية على محياه:
ـ وشو بدك ياني قول؟!
فأجبته بجدية ظاهرة:
ـ لازم تقول: إني أرحب بكم فرداً وفردةً.
فضحك الاستاذ كامل المر، وحمل الدكتور عصام حداد النكتة إلى الأثير اللبناني لتصبح نكتة الموسم.
ومنذ عدة أشهر، كنّا في ضيافة الدكتور عصام حداد، فأولـم على شرفنا وليمة حضرها رئيس تحرير مجلة (الامن) اللواء الشاعر محمد ياسر الايوبي. ومن جملة المأكولات التي أعدتّها أخته سلوى (حبشة) محشية بالأرز، تبدّل على تقطيعها جميع المدعوّين نظراً لحجمها الكبير.
وفجأة دخل أحد اصدقائه، وطلب التحدّث معه، فما كان منه إلا أن دعاه لتناول الطعام معنا.. ولمّا لـم يقبل وهمّ بالانصراف، لحقه الدكتور عصام وصوته يسبقه: سلملي ع بيك.. سلّملي ع إمك.. سلملي ع جدك.. ع ستك.. ع عمك.. أللـه معك.
وعندما رجع إلى الطاولة قلت له بصوت عالٍ:
ـ شو باك يا عصام.. هيئتك صرت بخيل كتير!!
ـ ليش شو عملت؟
ـ بدل ما تحمّل صديقك كل هالسلامات لأمو ولبيّو.. كان الافضل تحمّلو فخدين من هالحبشة تا يتعشّوا عليهن.
لقاء الدكتور عصام حداد صعب، ووداعه أصعب.. والويل ثـم الويل لمن يتعرّف على كامل العائلة (الحدادية).. فلسوف يسرقون قلبه وعقله.. ودمعته.. ويتركونه ضائعاً.. حائراً، لا يطيب له عيش إلا بالقرب منهم.

أيكة عصام حدّاد: سنديانة وقلعة

شربل بعيني

الأيكة، كلمة تعني الشجر الكثير الملتفّ. وعندما نقول: يأيك الشجر، فهذا يعني أنه كثر والتفّ.
والدكتور عصام حدّاد عنده في عين كفاع، مسقط رأسه، أيكة ولا أجمل.. غنّاها في كتبه الكثيرة، وحوّلها إلى قاعة طبيعيّة للمحاضرات، حاضر بها كبار الأدباء اللبنانيين والعرب. والجدير بالذكر أن مقاعدها وطاولاتها كلها من الصخور المقطوفة من جبالنا، والمزروعة في أرجاء الأيكة.
وعندما يبرد الطقس، وينتقل الحدادون الأربعة: عصام وسامي وسمير والوحيدة سلوى إلى مدينة جبيل، يحوّلون قلعتها الأثرية الشامخة أيكةً حجرية، يستقبلون بها زوّارهم.. وها هو الدكتور عصام وأخوه سامي يجلسون وزوجتي الحبيبة ليلى على صخرة، أشبه ما تكون بصخور تلك الأيكة السنديانية الساحرة.
وكما اعتادت الأيكة الجبلية على أصوات الأدباء والشعراء العباقرة، التي تدعو للمحبة والتسامح، هكذا اعتادت القلعة ـ أيكة عصام الساحلية ـ على أصوات الخوارنة في الكنائس، والمؤذنين في الجوامع، التي تدعو أيضاً للمحبة والتسامح. وصدقوني إذا قلت ان المكان الوحيد الذي وجدت فيه الكنائس والجوامع متعانقة، أي الحائط على الحائط، كان في مدينة الأبجدية جبيل.
الآن، تتعبني الذكريات، ويقض مضجعي الندم المتسائل في حيرة: لماذا لـم أزرع صوتي في أيكة من
أيكات عصام حداد الكثيرة؟!!.. هذه هي خسارتي الكبرى، وهذه هي الغصّة التي تعصر فؤادي كلما راجعت ذكرياتي، وتطلعت بصوري، وتصفّحت كتبي..
ما هم.. طالما أن ابتسامة صديقي الحبيب عصام حداد ترافقني في غربتي.. إنها أوسع من الغربة.