أوجدنا هذا المتحف عربون وفاء وتقدير للدكتور عصام حداد الذي أهدى الأدب المهجري جائزة أدبية تحمل اسم: شربل بعيني

عصام حداد يقرع ابواب الخلود/ كامل المر

امس غيّب القدر الاديب الشاعر والمفكر الدكتور عصام حداد .
واذا كان عصام قد غادرنا باللحم والدم إلا انه دائم الحضور بفكره النيّر وكلمته المسؤولة التي اودعها خزانة الفكر العربي .
وفيمِ الغرابة ! أليس الفكر النيّر متجسداً بالكلمة المسؤولة ، الناهدة الى الحرية والعدالة الاجتماعية ، دائم الحضور منذ ان وعى الانسان ذاته حتى الساعة ، وحتى قيام الساعة .
اوليس الفكر النيّر متجسداً بالكلمة المسؤولة ، متأطراً بالحرية ، هو الذي نقل صورة اللحم والدم من الحالة الحيوانية الى الحالة الانسانية ، فكان الانسان صورة الله على الارض!.
وكلمة عصام المسؤولة تجسدت في "جداول الفيروز" و"مناجم وأهراء" و"اعياد الجمال" و"مهد الالهة" و"ارض الفداء" و"مريا السماء" و"صراخ في الضباب" و"جمار الخطايا" و"حنطة المختارين" وكثير غيرها لتشكل لتراثنا الفكري والادبي ، نثراً وشعراً ، رافداً مهماً فياضا بقيم الحق والخير والجمال .
كان ، رحمه الله ، صاحب رؤيا ملهمة ، عميق الفكر ، حاد النظر ، ثاقب البصيرة كثير التأمل يسأل ويبحث عن جوابٍ ويدفعك لاكتشافه ، والتبصر فيه .
آلمه جرح الشرق . وجرح الشرق من جراحه فقال فيه :
شرقُنا المسحوقُ ، كالساقطِ ، غريبٌ في ديارهْ .
ضيَّعوهُ
ذبحوهُ ، بمِدى ريشِ
جناحهْ .
نفروهُ عن امانيه ، وغاصوا
بجراحِهْ
زرعوا الشوك بعينيه، اساطيرَ       
خرافَهْ ،
كالزرافَهْ .
ركّبوهُ الحيةَ الرقطاءَ ، عرّوهُ
عُصافَهْ
...........
ضيَّعوهُ
بقِماطاتِ الوِصايهْ
هدهدوهُ
بمساحيقِ الغِوايهْ
حنطوهُ ،
عطلوا فيه مزاليجَ
الرجاءْ .
محقوا وجهَ
السماءْ .
*****
  
 عقموهُ بتهاويلِ
الشرائعْ
اجهضوهُ ،
بالفواجعْ
خلسوا ، من دمه نارَ
البطولةْ ،
ثمن المأساة ، رؤياه ،
البتولةْ
مهروهُ بالدموعْ
علموهُ كل حقدٍ
وركوعْ
.........
زوروهُ .
شلَّعوهُ .
ضيعوهُ بدوارهْ
واستلذوا ،
بعثارِهْ
الانسان ، كما كل حيّ ، من طينٍ وماءٍ . الفكرُ يرتقي بالنسانِ الى مصاف الالهة ، ألم يقل مخائيل نعيمة ان الانسان اله في القمط!! لكن الناسَ ، بعض الناسِ ، يصرون على البقاءِ طيناً وماءً ، كما كل الساسة في بلادِنا ، فيقرأُ عصامٌ وجوهَهم في وجهٍ فيقول فيه :
وجهُكَ المغبرُّ ، نسجٌ
من رُتيلاءِ البغاءْ
نسغُهُ سمُّ الافاعي
وضميرُ السفهاءْ
حفرت سكينُ عينيهِ
بتاريخي ، الوباءْ
لا تُوَعِّ العزَّ فيهِ
هل تُوعِّي المومياءْ ؟
سحنةٌ تمشي ولكن ،
عمرُها ، طينٌ وماءْ
آدميٌّ ؟ انّما بالخمرِ
معنىً ، لا الاناءْ .
يعوزُ الاصنامَ ،
اعصابٌ وروحٌ ودماءْ
خلِّهِ للقعرِ ، فالزرزورُ
يضنيهِ العلاءْ
لقد آلمه ان تتحولَ المقدساتُ المتمثلةُ بالدينِ والوطنِ والانسانِ عند من افتقدوا الكرامةَ والوطنيةَ والقيمَ الانسانيةَ الى سلعٍ يتاجرون بها فتدرُّ عليهم الارباحَ الطائلةَ ، فانفجرِ شعره في وجوههم ناراً واعصاراً :
انا اهوى النارَ والاعصارَ والشوكَ
المناضلْ
     ......
انا اهوى السيف في عنق المخانيثَ
الفواجرْ ،
يزرعون الوهمَ والتمويه ، حقداً ،
في الضمائرْ ،
.......
انا اهوى البحرَ ، غضبانَ واهوى
السيلَ
هادرْ .
انا اهوى الجرحَ ، في صدغِ
المقاتلْ
شارةَ المجدِ ، لهُديِ الحقّ ، والحبّ ،
مشاعلْ ،
يقضمُ الحقدَ بانيابِ
السلاسلْ .
انا اهوى ،
انا اهوى ،
كلَّ
ثائرْ
اما "صراصير" السياسة فانهم اصنامٌ محنطةٌ وضفادعُ نقناقةٌ لا تألف العيش الا في المياه الاسنة ، ويعجب كيف لا يستسيغون غير الهوان :
أبداً ، مكانك ؟ كيف لا تهوى اراجيح
الضياءْ ؟
.....
لو مرة ، عليت راسك ،
للقبابْ ،
لعرفتَ ، طعمَ المجدِ ، من طعم 
التربْ .
كان يؤلمه اكثر ما يؤلمه ان يرى المثقفين واهل القلم قد استقالوا من واجباتهم  ودورهم الريادي ، ولا سيما زمن المحن والشدائدِ ، فقبعوا في ابراجهم العاجية يثرثرون بالتفاهات ، فيهيب بهم ان يعوا واجبهم الوطني والانساني ، وان يستلوا اقلامهم سيوفاً من نار في جه الظلم والطغيان ، ومشاعل نور للاجيال الاتية كما فعل هو :
"روحي ، كتابي ، دفتري ، ويراعتي ،
نورٌ
ونارْ "
ان قيمة الكلمة ، وافقنا احكامها ام لم نوافق ، في ان تكون جزءاً من ذات قائلها .
واذا كان "في البدء كان الكلمة" ، فكلمات عصام حداد مارست وستمارس والى امد بعيد الخلق والابداع بما يفيض من نورها المستمد من النور الكلي ، الذي يعري القبح والفساد والباطل ، وينير دروب الحق والخير والجمال لساليكيها .
وخلاصة القـول ان عـصاماً قد صبَّ ذاته في مجموعة مؤلفاته ، ما ظهر منها وما لم يظهر بعد ، فمن جداول فيروزهه المتدفقة عطراً وطيباً ، ومن ندى جراحه ، التي هي من جراح الوطن ، ومن مناجم اهرائه ، ومن مرايا سمائه المتلالئة نوراً مستمداً من نور الله اجمع غمر تحيات لروح عصام سائلاً الله ان يسكنها فسيح جنانه الغناء .
كامل المر